انتابتني ثلاثة مشاعر مختلفة، إن لم أقل متناقضة، خلال زمن مشاهدتي لفيلم سميث الجديد "هانكوك Hancock"، أولها كان الإحساس الذي أوحت لي به المشاهد الأولى للفيلم الذي يصور سميث في دور جون هانكوك، وهو يطير منتقلا من مكان إلى آخر، خارقا شروط القدرات الواقعية للبشر الطبيعيين، متمتعا بقوة هائلة تمكنه من التدخل في أية معركة والقضاء على الأشرار وتحطيم المباني والسيارات، والنجاة من الموت والتصدي لكل أنواع الأسلحة من دون أن يصاب بخدش، فشعرت بأني مقدم على مشاهدة فيلم ينتمي إلى سينما الرجال الخوارق في السينما الأمريكية أمثال سوبرمان وسبايدرمان وباتمان وغيرهما، مع اختلاف بسيط، يتمثل في كون السيد هانكوك من النوع المدمّر الذي يخلّف وراءه، وبسبب مزاجه الشخصي فقط، خسائر مادية كبيرة في كل معركة يخوضها ضد الأشرار، الأمر الذي جعله مكروها لدى مواطنيه ورجال القانون غير القادرين على التعرض له بسبب قدراته الخارقة، رغم محاربته للأشرار.
فيما بعد، مع بداية الربع الثاني من الفيلم، وإثر لقاء المصادفة الذي جمع راي رامبراي أخصائي العلاقات العامة بهانكوك الذي أنقذه من موت محقق، فقرر الأول مساعدة هانكوك وتحسين صورته أمام الناس، شعرت بأنني أمام فيلم آخر ومختلف من حيث المستوى والنوعية، يناقش قضايا أكثر عمقا وتأثيرا من مشاهد المعارك المثيرة وألاعيب تحطيم السيارات والأبنية وبهلوانيات الطيران البشري في سماء المدن. وهي صورة تتعلق ببناء الصورة الإعلامية للشخصية العامة، وسبل إقناع صاحب القوى الخارقة بالتخلي عنها وعن حريته الكاملة للحصول على رعاية وحب اجتماعيين، ومحاولة ترويض القوة المنفلتة من أي قيد لتخضع للقانون والنظام. لكن هذه الجزء الهام، والمثير عقليا من الفيلم سرعان ما انتهى بطريقة ساذجة وبدائية تذكر بنهايات الميلودراميات البائسة التي سادت لفترة في السينما المصرية، حين كان الشاب العاشق بطل الفيلم يكتشف في نهايته أن الفتاة التي قضى زمن الفيلم بكامله وهو يحبها ويتقرب ليست إلا.. أخته. فبنفس هذا الأسلوب البدائي دراميا، وبدون أية مقدمات مقنعة أو أسباب مبررة، يكتشف هانكوك أن زوجة الأخصائي النفسي التي بدأ يميل إليها، لا تملك فقط قوى خارقة شبيهة بقواه، بل وتعترف له بأنها كانت زوجته منذ ما قبل الميلاد.
وتسهب في رواية قصة خيالية ساذجة من النوع المرضي المنتشر هذه الأيام في سيناريوهات كتاب النخب الثالث في السينما المصرية، ليصل الفيلم أخيرا إلى نهاية بائسة تفتقر للمنطق والإقناع، ينتصر فيها الخير على الشر بعد مشاهد من الإثارة الاستعراضية، ويتم استئناس الجانب المتوحش في هانكوك، الذي يظهر في لقطة ملائكية وعلى أذنه سماعة البلوتوث متحدثا مع أخصائي العلاقات العامة، منهيا قصة مفككة ومفبركة وغير مقنعة، ويختم فيلما يقوم على مشاهد المعارك المثيرة والقدرات الخارقة المصنّعة بتقنيات الغرافيك، والمنسوخة عن أعمال سابقة مع بعض التعديل، وباستثناء بعض المشاهد في فترة خضوع هانكوك (الذي يؤدي شخصيته سميث بالحدود الدنيا من مهارته كممثل) لإرشادات ورغبات أخصائي العلاقات العامة في سبيل تحسين صورته. ولا يمكن الحديث عن سوية ممثلين أو إدارة إخراجية لأدوارهم؛ لأن المخرج الحقيقي للعمل هو الكومبيوتر، الذي اعتمد عليه الفيلم في بناء وتنفيذ كل المشاهد التي تشكل القوام الرئيس والهدف الأساسي له. "هانكوك" عمل مثير للشفقة فعلا حتى في نوعه، وأكثر ما يحزن فيه وجود ممثل بقدرات ويل سميث، لم يظهر منها أكثر مما يسمى حسب مصطلحات الأعمال الفنية بحالة "التواجد" داخل المشاهد.